غزة تبحث عن مفقوديها.. بين الأنقاض والمعتقلات والمقابر الجماعية

غزة تبحث عن مفقوديها.. بين الأنقاض والمعتقلات والمقابر الجماعية

474216375_18485871499005990_5285212752643459099_n

غزة / خاص

في شوارع غزة المدمرة، وبين الأنقاض التي تحولت إلى شواهد صامتة على مأساة لا تنتهي، تبحث العائلات عن أحبائها المفقودين. بعضهم دُفن تحت الركام، وآخرون اقتيدوا إلى المعتقلات الإسرائيلية دون أثر، فيما دفن المئات في مقابر جماعية مجهولة.

آلاف العائلات تعيش في حالة انتظار مرير، بين الأمل واليأس، في ظل غياب آلية واضحة للكشف عن مصير المفقودين وتوثيق ما حدث.

كارثة إنسانية بالأرقام

وفقًا لوزارة الصحة والدفاع المدني في غزة، فإن عدد المفقودين تجاوز 14 ألف شخص، يُرجح أن غالبيتهم استشهدوا تحت الأنقاض أو اعتُقلوا دون الكشف عن مصيرهم.

كما عُثر على جثامين أكثر من 600 شهيد بعد وقف إطلاق النار، في حين تؤكد التقارير أن 2842 شخصًا تبخرت أجسادهم بفعل القصف الإسرائيلي العنيف، ما يجعل التوثيق والتعرف عليهم مهمة شبه مستحيلة، خاصة في ظل غياب مختبرات فحص الحمض النووي (DNA) داخل القطاع.

المفقودون بين الأسر والمقابر الجماعية

منذ بداية الحرب، امتنعت إسرائيل عن الإفصاح عن أسماء وأعداد المعتقلين، مما زاد من معاناة العائلات التي تبحث عن أحبائها دون أي معلومات رسمية.

شهادات الناجين كشفت أن الجيش الإسرائيلي أقام نقاط تفتيش أشبه بـ”حواجز الموت”، حيث تم فرز المدنيين، ونقل بعضهم إلى أماكن مجهولة دون أي وسيلة للتواصل مع عائلاتهم.

في المقابل، اضطر الأهالي خلال فترات القصف العنيف إلى دفن مئات الجثث في مقابر جماعية أو مواقع عشوائية، وسط استحالة توثيق الأسماء أو توديع الضحايا بالشكل اللائق.

وبعد توقف العمليات العسكرية، بدأ الأهالي في البحث عن القبور المجهولة، وسط مشاهد مأساوية لجثث لم يعد بالإمكان التعرف عليها إلا من خلال بقايا الملابس أو المقتنيات الشخصية.

الآثار النفسية والاجتماعية لفقدان الأحباء

اختفاء آلاف الأشخاص خلّف آثارًا اجتماعية ونفسية مدمرة. النساء اللواتي فقدن أزواجهن دون معرفة مصيرهم يعشن في وضع قانوني معقد، فلا هن أرامل رسميًا ولا هن متزوجات، مما يعرضهن لمشاكل اقتصادية واجتماعية خطيرة.

أما الأطفال الذين فقدوا آباءهم دون معرفة مصيرهم، فيعانون من صدمة نفسية دائمة، حيث يكبرون وسط مشاعر الحيرة والخوف، في بيئة تفتقد للإجابات أو التطمينات.

جهود توثيق المأساة والسعي نحو العدالة

في مواجهة هذه الأزمة الإنسانية، أعلن حقوقيون ونشطاء عن إطلاق مؤسسة متخصصة في توثيق حالات المفقودين والمخفيين قسرًا، بهدف جمع المعلومات وتوثيق الحالات لمحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم في المستقبل، وهي المركز الفلسطيني للمفقودين والمخفيين قسرًا.

كما أطلقت وزارة الصحة في غزة نموذجًا إلكترونيًا لتسجيل بيانات الشهداء والمفقودين، في محاولة لبناء قاعدة بيانات شاملة ودقيقة، تسهم في جهود التوثيق والمساءلة.

المفقودون.. قضية لا تموت

الصحفي تامر المسحال قال: “ملف المفقودين هو الأكثر مرارة وقهرًا.. لنشارك أسماءهم ونعلي صوتهم ونقف مع عائلاتهم.”

هذه الكلمات تلخص حقيقة أن المفقودين ليسوا مجرد أرقام، بل أرواح وحكايات سُرقت بفعل الحرب.

يجب ألا يُترك هذا الملف ليُدفن في التقارير، بل يجب أن يتحول إلى قضية دولية تتصدر المشهد، للمطالبة بالعدالة وكشف الحقيقة، وضمان عدم تكرار هذه المأساة في المستقبل.