“مفقود بلا أثر: علي الجبور.. اختفى في صمتٍ خلف دخان الحرب

خان يونس – خاص

في قلب حي جورت اللوت بمدينة خان يونس، تسكن الحكاية في وجدان العائلة، حكاية ابنٍ غاب فجأة في زمن لا يحتمل الغياب.

علي نبيل موسى الجبور، الشاب الأعزب الثلاثيني، فقدت العائلة أثره منذ الشهر الأول للحرب الإسرائيلية الشرسة على قطاع غزة، دون أن يُعرف له طريق أو يُسمع له خبر.

علي، الشاب الذي وُلد في أحضان الحصار، عاش ظروفًا قاسية لم تنتهِ ببدء الحرب، بل تفجرت كألمٍ إضافي في تفاصيل حياته.

يعاني من زيادة في كهرباء الدماغ، وهي حالة صحية تتطلب رعاية خاصة، ما يجعل غيابه الطويل أمرًا يثير القلق الشديد لدى من تبقى من عائلته.

“ما حدا بيعرف إذا طلع أو رجع.. ولا حتى شو صار فيه”، يقول محمد، ابن عمه، بصوتٍ يغلبه التعب واليأس، مضيفًا: “آخر مرة انذكر فيها كان على بعض منشورات بمواقع التواصل.. وبعدها ولا صوت، ولا صورة”.

أبوه وأخوه استُشهدوا في الحروب السابقة، وأمه – المطلقة – تقيم اليوم في مصر، بعيدة عن الألم، لكن أقرب من أي أحد إلى وجعه.

“هو وحيد في هذه الدنيا الآن”، يقول محمد. “كان دايمًا يقول: أنا ما إلي غير راسي أضبّه وأنام، بس حتى هالراحة انحرمت منه”.

علي لم يكن جنديًا ولا ناشطًا سياسيًا، لم يحمل سلاحًا، ولم يكن في خطوط المواجهة الأمامية. بل كان ابن الحارة، شابًا بسيطًا يحب الجلوس على عتبة الباب، يتبادل الحديث مع الجيران ويصمت كثيرًا، كان يحلم ببيت وزوجة وهدوء، لكن الحرب سرقت منه كل شيء، حتى صوته.

رغم مرور شهور على اختفائه، لا تزال العائلة تبحث في كل مكان: في المستشفيات، في قوائم الشهداء، بين أسماء الأسرى، وحتى في ركام المنازل المنهارة. لكن لا شيء يدل على مصيره. وكأن الأرض ابتلعته.

“بدنا نعرف.. حي ولا ميت؟”، يقول محمد، مختنقًا بالكلمات. “بس بدنا نعرف، ونرتاح”.

في غزة، تُكتب الحكايات في الظل، وتُنسى في الزحام. لكن قصة علي الجبور ليست مجرد رقم جديد في قوائم المفقودين، إنها مرآة لوطنٍ فقد أبناءه، ولم يعد يجدهم.