شهد شمال قطاع غزة بتاريخ الخامس من أكتوبر عام 2024 عملية عسكرية واسعة أعلن عنها الجيش الإسرائيلي، استهدفت مناطق مأهولة بالسكان وأدت إلى سقوط أعداد كبيرة من الشهداء والمصابين واعتقال مئات المواطنين، من بينهم المواطن الفلسطيني سمير محمود محمد الكحلوت (53 عام) الذي أصيب إصابة بالغة في السادس عشر من أكتوبر من العام نفسه أثناء القصف على مخيم جباليا. نُقل الكحلوت إلى مستشفى كمال عدوان لتلقي العلاج حيث خضع لعملية جراحية تم خلالها استئصال إحدى كليتيه نتيجة خطورة الإصابة التي لحقت به.
وفي السادس والعشرين من أكتوبر 2024، اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي مستشفى كمال عدوان واعتقلت عدداً من المرضى والجرحى، من بينهم الكحلوت الذي كان في حالة صحية حرجة. وبحسب نجله حسام، فقد تم اقتياده في سيارة خاصة تابعة للجيش الإسرائيلي إلى داخل الأراضي المحتلة بينما نُقل باقي المعتقلين في مركبة أخرى، ومنذ تلك اللحظة انقطعت أخباره بشكل تام ولم تتمكن العائلة من معرفة أي معلومة عن مكانه أو وضعه الصحي.
في بداية نوفمبر 2024 تواصلت العائلة مع مؤسسة الهيموكيد الإسرائيلية المختصة بمتابعة شؤون الأسرى للاستفسار عن مصير والدهم، وأفادت المؤسسة بأنها سترد حال توفر معلومات عنه. وفي الرابع والعشرين من ديسمبر من العام نفسه، أبلغت الهيموكيد العائلة بأن سمير الكحلوت قد استشهد داخل السجن بتاريخ الثالث من نوفمبر، وعلى إثر ذلك أقامت العائلة بيت عزاء واستقبلت المعزين بوفاته.
إلا أن تطورات جديدة ظهرت بعد مرور عام تقريباً، وتحديداً عقب صفقة التبادل التي جرت في أكتوبر 2025، حين تواصل مع العائلة عدد من الأسرى المحررين وأكدوا أنهم سمعوا باسم سمير الكحلوت داخل سجن عوفر، الأمر الذي أثار الشكوك حول صحة إعلان استشهاده. وفي ذات السياق أفاد أحد أبناء العائلة الذين أُفرج عنهم ضمن الصفقة بأنه شاهد سمير الكحلوت بنفسه داخل سجن سديه تيمان بتاريخ 11 أبريل 2025 وكان في وضع صحي صعب، مما أكد أن رواية استشهاده كانت غير صحيحة وأنه لا يزال على قيد الحياة في سجون الاحتلال.
عقب هذه الشهادات، أعادت العائلة التواصل مع مؤسسة الهيموكيد وعدد من المؤسسات الحقوقية المحلية والدولية وقدمت لهم المعلومات الجديدة التي تؤكد وجوده على قيد الحياة، إلا أن الرد الإسرائيلي الرسمي كان ينفي وجود أي معتقل يحمل اسمه في سجلات الأسرى، وهو ما يشير بوضوح إلى أن سلطات الاحتلال تمارس بحقه جريمة إخفاء قسري مكتملة الأركان، إذ قامت باعتقاله رغم وضعه الصحي الحرج، وحرمت عائلته من التواصل معه أو معرفة مكان احتجازه، وقدمت معلومات مضللة عن وفاته في السجن.
إن قضية سمير الكحلوت تمثل مثالاً مؤلماً لجريمة الإخفاء القسري التي يرتكبها الاحتلال بحق الفلسطينيين، في انتهاك صارخ لأحكام القانون الدولي الإنساني، وخصوصاً اتفاقية جنيف الرابعة والاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006. وهي جريمة تستوجب المساءلة والمحاسبة أمام العدالة الدولية.
وإذ يؤكد المركز الفلسطيني للمفقودين والمخفيين قسراً أن سمير الكحلوت لا يزال مصيره مجهولاً حتى اليوم، فإنه يحمل سلطات الاحتلال المسؤولية الكاملة عن سلامته ويطالب بالكشف الفوري عن مكان احتجازه، والسماح للجهات الدولية بزيارته والاطمئنان على وضعه الصحي. كما يدعو المركز اللجنة الدولية للصليب الأحمر والأمم المتحدة ومؤسسات حقوق الإنسان إلى التدخل العاجل لوقف هذه الانتهاكات ومحاسبة المسؤولين عنها، والعمل على ضمان عدم تكرار مثل هذه الجرائم التي تُمارس بحق الفلسطينيين في ظل صمت دولي مقلق.





